بسم الله الرحمن
الرحيم
قال
سيدنا أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنه لفقير رأى عليه جُبّة صوف: يا ولدي! انظر
بزي من تزييت، وبخلعة من تلبست، لبست لباس الأنبياء والمرسلين، وتزييت بزي الأولياء
والصالحين، فاحفظ حق زيهم بالتخلق بأخلاقهم، والعمل بأعمالهم.
وإن للقوم
خوافي حكم قلبية في إلباس الخرقة يطوونها حال الإلباس للمريد، فيصلح الله تعالى
شأنه كما طوى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمن والإيمان في بردته الشريفة التي
ألبسها كعباً الصحابي، صاحب بانت سعاد، وهناك وراثة محمدية أخذها أهل القلوب عن
الرسول المحبوب صلى الله عليه وسلم.
وخلاصة ما تكلموه وبينوه في حكم تلقين
كلمة التوحيد قالوا: هو إفراغ سر من قلب المرشد إلى قلب المسترشد، وفيه شمة محمدية
لا بد أن تفعل في القلب فعلاً يؤثر فيه، فيقلبه عن حالة الغفلة إلى الإنتباه، وعن
حالة الرياء إلى الإخلاص بإذن الله؛ وهذا سر التسلسل المحمدي.
قال سيدنا
صاحب الطريق رضي الله عنه في كتابه "البرهان المؤيد": صحت أسانيد الأولياء إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم، تلقن منه أصحابه كلمة التوحيد جماعة وفرادى، واتصلت بهم
سلاسل القوم. قال شداد بن أوس: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى
الله عليه وسلم (هل فيكم غريب؟)، يعني من أهل الكتاب، قلنا لا يا رسول الله، فأمر
بغلق الباب وقال (ارفعوا أيديكم وقولوا: لا إله إلا الله)، فرفعنا أيدينا وقلنا: لا
إله إلا الله، ثم قال (الحمد لله، اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها،
ووعدتني عليها الجنة وإنك لا تخلف الميعاد)، ثم قال صلى الله عليه وسلم (ألا
أبشروا، فإن الله قد غفر لكم). هذا وجه تلقينه صلوات الله وسلامه عليه أصحابه
جماعة.
وأما تلقينه عليه الصلاة والسلام جماعةً منهم فُرادى، فقد صح أن
علياً رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! دلَني على
أقرب الطرق إلى الله وأسهلها على عباده، وأفضلها عند الله تعالى، فقال صلى الله
عليه وسلم (أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله، ولو أن السموات
السبع والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، لرجحت بهم لا إله إلا
الله)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من
يقول:الله الله)، فقال رضي الله عنه: كيف أذكر يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة
والسلام (اغمض عينيك واسمع مني ثلاث مرات، ثم قل أنت ثلاث مرات وأنا أسمع)، فقال
صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله ثلاث مرات مُغمضاً عينيه رافعاً صوته وعلي
يسمع، ثم قال علي رضي الله عنه لا إله إلا الله ثلاث مرات مُغمضاً عينيه والنبي صلى
الله عليه وسلم يسمع.
وعلى هذا تسلسل أمر القوم، وصح توحيدهم، وتجردوا عن
الأغيار بالكلية، وأسقطوا وهم التأثير من الآثار، وردّوها بيد اعتقادهم الخالص إلى
المؤثر.
قلت: وما أهملوا الأسباب، بل رأوها من جملة آثار المسبب، فعرفوها
بمُبرزها سبحانه، وأعطوا كل أثرٍ حقه، فالآثار التي تنتج الخير تُشكر، والتي تأتي
بالشر والمنكر تُنكر، أي ترد اتباعاً للنصوص، وموافقةً للحكم، وقياماً مع الشرع.
ولكل حقيقة سر أقامه فيها خالقها؛ فقد جعل الشتاء ماطراً، والصيف قاشعاً،
والنار محرقةً، والماء ريّاً، والنهار معاشا، والليل لِباسا، والشمس موضحة، والعتمة
ساترة، وهكذا وصف وعَدَّ وخلق وأمدَّ وأوقف كل أثر مع حد، ولم يصل إلى غاية العلم
بجنودها أحد، وقد أمد المرسلين بالمعجزات، والأولياء بالكرامات، واصطفى من المرسلين
عليهم أفضل الصلوات والتسليمات خاصة اختارهم لركبان النبوة أساتذة، وفي قوافلها
أئمة وجهابذة، وكذا اختار من الأولياء أُناسا أعطاهم وحباهم وأعلاهم وصان بعنايته
حِماهم، وتولاّهم وولاّهم، ففضل الجميع مقرر لا ينكر، وشأن الكل منهم يُعظَّم
ويوقَّر.
وأعظم حضرات النبوة الحضرة المحمدية المعظمة المكرمة، وأعظم حضرات
الأولياء الحضرة المتحققة بالإرث المحمدي، والخلق الطاهر النبوي، وهذه الحضرة في
القرون الوسطى حضرة شيخ الكل في الكل، مولانا وسيدنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله
عنه وعنّا به، فهو صاحب هذه المأدبة الشريفة الحافلة ببراهينه السارية إن شاء الله
إلى يوم الدين.
_________________